هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

قهوة الصباح

مؤتمر شرم الشيخ للسلام .. بداية صعبة ومشوار طويل

 

اليوم تتجه أنظار العالم إلى مدينة شرم الشيخ، المدينة التي كانت وما زالت رمزًا للسلام ومنارة للحوار، حيث يُعقد مؤتمر شرم الشيخ للسلام برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبحضور قادة وزعماء من مختلف دول العالم. إنه يوم تاريخي، تتلاقى فيه الإرادات بعد شهور من الحرب والمعاناة في غزة، ليولد من قلب الصراع أمل جديد في مستقبل أكثر استقرارًا وعدلًا. لكن الوصول إلى هذه اللحظة لم يكن طريقًا سهلًا، بل كان مشوارًا طويلًا وصعبًا، مليئًا بالتحديات والتقلبات، والرهان فيه على الحكمة والصبر أكثر من القوة والسلاح.

بدأت فصول هذا الحدث الكبير عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبادرة جديدة للسلام في الشرق الأوسط، تهدف إلى وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق مسار تفاوضي جديد يضع أسسًا لتسوية شاملة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ورغم أن المنطقة كانت تعيش واحدة من أكثر مراحلها توترًا، فإن المبادرة وجدت ترحيبًا مفاجئًا من المجتمع الدولي، إذ رآها كثيرون فرصة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من الأمل في سلام حقيقي. وجاءت المفاجأة الأكبر حين أعلنت كل من حماس وإسرائيل موافقتهما المبدئية على بنود المبادرة، واستعدادهما للجلوس إلى طاولة المفاوضات. كان ذلك بمثابة الشرارة الأولى التي أعادت الحياة إلى طريق كاد يُغلق نهائيًا.

ومع انفتاح الأفق أمام فرصة حقيقية للسلام، دخلت مصر بقوة على خط التحرك، لتؤكد مجددًا أنها قلب المنطقة النابض وميزانها العاقل. قاد الرئيس عبدالفتاح السيسي دبلوماسية نشطة وحازمة في الوقت نفسه، مستندًا إلى الثقة التي تحظى بها القاهرة لدى جميع الأطراف. وجه السيسي الدعوة إلى الجميع للحضور إلى شرم الشيخ، المدينة التي شهدت على مدى عقود مفاوضات وأحداثًا غيّرت وجه التاريخ. لم تكن المهمة سهلة، فكل طرف يحمل جراحه ومخاوفه ومطالبه، لكن مصر استطاعت، عبر قنواتها السياسية والأمنية، أن تجمع المتناقضات في مكان واحد، وأن تُبقي على الخيط الرفيع الذي يفصل الأمل عن الانهيار.

وبعد أسابيع من اللقاءات والمباحثات الماراثونية، داخل القاعات وخلف الأبواب المغلقة، استطاعت الجهود المصرية أن تقترب من هدفها. وجاءت اللحظة المنتظرة عندما تم التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في غزة. لم يكن ذلك مجرد اتفاق سياسي، بل لحظة إنسانية عميقة أعادت الحياة إلى الملايين من الأبرياء، وفتحت بابًا للأمل بعد شهور طويلة من الدمار واليأس. وفي لفتة رمزية تحمل الكثير من المعاني، دعا الرئيس السيسي نظيره الأمريكي دونالد ترامب لحضور مراسم توقيع الاتفاق في شرم الشيخ، ليشهدا معًا بداية مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة.

اليوم، تصل إلى شرم الشيخ وفود العالم من كل اتجاه، زعماء وقادة ووزراء من الشرق والغرب، يجتمعون في مدينة واحدة ليشهدوا ميلاد عهد جديد للشرق الأوسط. شرم الشيخ اليوم ليست مجرد مدينة مصرية، بل عاصمة للسلام العالمي، يلتقي فيها الشمال والجنوب، الشرق والغرب، على هدف واحد هو إنهاء الصراعات وبدء صفحة جديدة من التفاهم والتعاون. المشهد مهيب بكل تفاصيله، لكنه أيضًا محمّل بالتحديات. فطريق السلام لا يزال وعرًا، والمشوار طويل، والمفاوضات القادمة ستكون بلا شك أصعب من الحرب نفسها.

السلام لا يُصنع بالشعارات، بل بالإصرار والإرادة. والمقاتلون الحقيقيون في هذه المرحلة ليسوا أولئك الذين يحملون البنادق، بل الذين يحملون الرؤية والإيمان بالسلام. هؤلاء الذين يدركون أن الدفاع عن الأمل يحتاج إلى شجاعة أكبر من خوض المعارك، وأن الحفاظ على الاتفاق أصعب من الوصول إليه. فبعد التوقيع تبدأ المعركة الحقيقية: معركة التنفيذ، ومعركة الثقة، ومعركة بناء المستقبل.

مصر اليوم تثبت من جديد أنها صاحبة الدور والريادة. هي الدولة التي تعرف كيف تجمع ولا تفرق، كيف تفتح الأبواب حين تُغلق أمام الآخرين. برؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي وبجهود دبلوماسيتها الحكيمة، استطاعت القاهرة أن تعيد العالم إلى طاولة الحوار، وأن تذكّر الجميع بأن السلام ممكن إذا توفرت الإرادة، وأن الشرق الأوسط يمكن أن يعيش خارج دائرة النار إذا اختار قادته طريق العقل بدل طريق العناد.

لقد كانت رحلة الوصول إلى مؤتمر شرم الشيخ للسلام طويلة وصعبة، لكنها أيضًا بداية لمسار جديد. فاليوم لا يحتفل العالم فقط بوقف إطلاق النار في غزة، بل بولادة أمل جديد، ورسالة تقول إن الحروب مهما طالت لا بد أن تنتهي، وإن الشعوب مهما تألمت لا تتوقف عن الحلم. الطريق أمامنا لا يزال مليئًا بالعقبات، لكنه أيضًا مليء بالفرص. إنها بداية صعبة، نعم، لكنها بداية حقيقية، ومشوار طويل يحتاج إلى رجال ونساء يؤمنون أن السلام يستحق أن يُقاتل من أجله. ومن شرم الشيخ، مدينة السلام، يبدأ هذا المشوار نحو غدٍ أفضل، يصنعه الأمل لا الخوف، والحكمة لا القوة، والإيمان بأن الإنسانية قادرة على الانتصار في النهاية.